فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لِلَّذِي حَلَفَ عِنْدَهُ لِخَصْمِهِ الَّذِي كَانَ خَاصَمَهُ إلَيْهِ فِيمَا كَانَ ادَّعَى عَلَيْهِ أَمَا إنَّك قَدْ فَعَلْت فَادْفَعْ إلَيْهِ حَقَّهُ وَسَتُكَفِّرُ عَنْك لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مَا صَنَعْت

حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الطَّالِبَ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَاسْتَحْلَفَ الْمَطْلُوبَ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّك قَدْ فَعَلْت‏,‏ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ بِقَوْلِك لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْكُوفِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام فِي شَيْءٍ فَقَالَ لِلْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يُقِمْ فَقَالَ لِلآخَرِ احْلِفْ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام ادْفَعْ إلَيْهِ حَقَّهُ وَسَتُكَفِّرُ عَنْكَ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مَا صَنَعْت فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَدْ غُفِرَ لِلْحَالِفِ بِهَا يَمِينُهُ عَلَى مَا قَدْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلاَفِ مَا حَلَفَ بِهَا عَلَيْهِ فَقَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْهُ‏؟‏‏,‏ فَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَامِعٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعَا أَبَا وَائِلٍ يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى‏,‏ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ‏,‏ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كِتَابِ اللهِ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً‏}‏ الآيَةَ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ جَنَّادٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبُوهُ كَعْبٌ أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ‏,‏ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى هَذِهِ السَّارِيَةِ لِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ عليه السلام قَالَ كُنْت أَنَا وَأَبُوك كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَأَخُوك مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ قُعُودًا عِنْدَ هَذِهِ السَّارِيَةِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الرَّجُلَ يَحْلِفُ عَلَى مَالِ الرَّجُلِ فَيَقْتَطِعُهُ بِيَمِينِهِ كَاذِبًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ أَيُّمَا رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى مَالِ رَجُلٍ كَاذِبًا فَاقْتَطَعَهُ بِيَمِينِهِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الْجَنَّةُ وَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ فَقَالَ أَخُوك مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ يَا رَسُولَ اللهِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً قَالَ فَقَلَّبَ سِوَاكًا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ فَقَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ أَوْ وَإِنْ كَانَ عُودًا مِنْ أَرَاكٍ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ حَدَّثَنِي طَارِقٌ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى مَالِ آخَرَ فَيَقْتَطِعُهُ بِيَمِينِهِ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ وَبَرِئَتْ مِنْهُ الْجَنَّةُ وَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الرِّيَاحِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ‏,‏ وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ جَمْرَتَيْنِ مِنْ الْجِمَارِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِ أَخِيهِ بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا فِي النَّارِ‏.‏

وَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي الْخُوَارِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ الْبَرْصَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ لَقِيَ اللَّهَ‏,‏ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا‏,‏ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلاَثًا وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَنَّادٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ عَمِّهِ، شَكَّ سُفْيَانُ، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ لَقِيَ اللَّهَ‏,‏ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ‏,‏ وَهُوَ لَهُ مَاقِتٌ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ فَفِي هَذِهِ الآثَارِ مِنْ وَعِيدِ اللهِ تَعَالَى مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ مَا فِيهَا‏,‏ وَالْحَالِفُ بِهَا قَدْ وَحَّدَ اللَّهَ فِي حَلِفِهِ بِهَا وَنَفَى أَنْ يَكُونَ إلَهٌ غَيْرُهُ فَلَمْ يَرْفَعْ ذَلِكَ الْوَعِيدُ عِنْدَ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ الْوَعِيدَ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَعِيدُ اللهِ إيَّاهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ‏}‏ الآيَةَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَقْبَلُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَهَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا هَذَا وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَمِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ ضِدٌّ لِلصِّنْفِ الآخَرِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ، بِتَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى، أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ مُضَادٍّ لِلأَحَادِيثِ الَّتِي عَارَضَنَا بِهَا‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ الأَوَّلَ إنَّمَا فِيهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي شَيْءٍ فَدَعَا الْمُدَّعِيَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا فَاسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَفَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَلَفَ عَلَى مَا قَدْ كَانَ عِنْدَهُ كَمَا قَدْ حَلَفَ عَلَيْهِ‏;‏ لأَنَّهُ ذَهَبَ عَنْهُ مَا قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُ فِيهِ وَمَا فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ‏,‏ ثُمَّ أَعْلَمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْهُ غَيْرُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ‏,‏ وَأَنَّ الَّذِي كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ خِلاَفُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ حَقِّ خَصْمِهِ إلَى خَصْمِهِ‏,‏ ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الْحَلِفِ بِتَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى فَقَالَ هَذَا الْمُعَارِضُ وَكَيْفَ يَكُونُ مَا ذَكَرْتُمْ كَمَا وَصَفْتُمْ مِنْ احْتِمَالِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا مِنْ حَلِفِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَمِمَّا هُوَ نَاسٍ لَهُ وَقَدْ رَوَيْتُمْ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ يَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِيُكَفَّرَ بِهَا عَمَّنْ يُكَفَّرُ بِهَا عَنْهُ مَا قَدْ كَانَ مِنْهُ مِنْ مَعَاصِي اللهِ تَعَالَى وَالْخُرُوجِ مِنْ طَاعَاتِهِ إلَى أَضْدَادِهَا لاَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا الْحَالِفُ عَلَى النِّسْيَانِ فَخَارِجٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى لاَ شَكَّ‏;‏ لأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ حَلِفًا عَلَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ قَدْ تَجِبُ فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي لاَ آثَامَ فِيهَا عَلَى مَنْ كَانَتْ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً إلَى قوله تعالى ‏{‏تَوْبَةً مِنْ اللهِ‏}‏ الآيَةَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ‏;‏ لأَنَّهُ كَانَ بِقَتْلِهِ آثِمًا‏.‏

وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ أَنْبَأَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَإِنَّ كَفَّارَتَهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا‏.‏

وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا‏.‏

وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ خَاصَّةً قَالَ هَمَّامٌ ثُمَّ سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ بِهِ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَقَالَ وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي وَفِي حَدِيثِ فَهْدٍ لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَا قَدْ أُمِرَ بِهِ النَّاسِي لِلصَّلاَةِ وَالنَّائِمُ عَنْهَا كَفَّارَةٌ لَهُمَا مِمَّا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا فِيهِ وَقَدْ كَانَا قَبْلُ مَأْثُومَيْنِ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا فِي الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا فِي الْقَاتِلِ خَطَأً مِمَّا قَدْ جُعِلَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ وَإِخْبَارِ اللهِ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ ذَلِكَ تَوْبَةٌ مِنْ اللهِ يَعْنِي عَنْ الْقَاتِلِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَاتِ قَدْ تَجِبُ مَعَ ارْتِفَاعِ الآثَامِ فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَمَا كَانَ مِنْ الْحَالِفِ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي كَانَ فِيهِ غَيْرَ مَأْثُومٍ وَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ اللَّهَ تَعَالَى وَمِنْ نَفْيِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سِوَاهُ كَفَّارَةٌ عَمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقِفَ مِنْ رَجُلٍ عَلَى كَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي قَدْ وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا النَّارَ‏,‏ ثُمَّ لاَ يَأْمُرُهُ بِالتَّوْبَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهَا وَالْعَمَلِ بَعْدَهَا بِمَا عَسَى أَنْ يَسْتَنْقِذَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ النَّارِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْحَلِفَ الَّذِي كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْحَالِفِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَهَابِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مِمَّا قَدْ كَانَ فَعَلَهُ عَنْهُ وَأَنَّ الأَحَادِيثَ الآُخَرَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا الْوَعِيدُ الْمُوَافِقُ لِلْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ عَلَى مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا قَاصِدًا بِيَمِينِهِ إلَى اقْتِطَاعِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ بَانَ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنْصَرِفٌ إلَى مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الصِّنْفُ الآخَرُ مِنْهُمَا غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ أَيْ فُلاَنُ أَفَعَلْت كَذَا‏,‏ وَكَذَا قَالَ لاَ وَاَلَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا فَعَلْته فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ قَدْ فَعَلَ‏,‏ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَهُ بِإِخْلاَصِ قَوْلِ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَهَذَا مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ كَانَ عِنْدَهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَذَهَبَ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فَعَلَهُ وَقَدْ فَعَلَهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَرَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الإِثْمَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُعَاقِبْهُ عَلَيْهِ وَجَعَلَ تَوْحِيدَهُ إيَّاهُ وَإِخْلاَصَهُ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَسَدِ هَلْ يَتَّسِعُ لأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِي حَالٍ مِنْ الأَحْوَالِ أَمْ لاَ‏؟‏

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَوْسَطَ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه يَخْطُبُ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا عَامَ أَوَّلَ‏,‏ ثُمَّ بَكَى أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ سَلُوا اللَّهَ الْمُعَافَاةَ فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطُوا بَعْدَ الْيَقِينِ شَيْئًا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُعَافَاةِ وَفِيهِ أَلاَ وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّارِ لاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَزَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَلاَ تَحَاسَدُوا‏.‏

وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَنَافَسُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا فَفِيمَا رَوَيْنَا النَّهْيُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحَسَدِ نَهْيًا مُطْلَقًا وَقَدْ وَافَقَ ذَلِكَ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَالَ قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ انْطَلَقَ لَكُمْ مَعَ هَذَا أَنْ تَقْبَلُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ رَوَيْتُمُوهُ عَنْهُ ‏"‏ لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ ‏"‏ وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَبَكَّارٌ قَالاَ ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاَ تَحَاسَدُوا إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ حَسَدَ إِلاَّ عَلَى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ هَذَا الْكِتَابَ فَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالاً فَتَصَدَّقَ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنُ فَارِسٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ‏,‏ وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَنَافِعًا قَدْ حَدَّثَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ‏.‏

وَمَا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ رَجُلٌ لَوْ آتَانِي اللَّهُ مِثْلَ مَا آتَى فُلاَنًا فَعَلْت فِيهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ رَجُلٌ لَوْ آتَانِي اللَّهُ مِثْلَ مَا آتَى فُلاَنًا فَعَلْت فِيهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ أَنَّ الْحَسَدَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ فَقِسْمٌ مِنْهُمَا حَسَدٌ لِمَنْ أُوتِيَ شَيْئًا عَلَى مَا أُوتِيَهُ مِنْهُ وَتَمَنٍّ مِنْ الْحَاسِدِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَهُ دُونَ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ فَذَلِكَ مَا هُوَ مَذْمُومٌ مِمَّنْ يَكُونُ مِنْهُ‏,‏ وَقِسْمٌ مِنْهُمَا حَسَدٌ لِمَنْ آتَاهُ اللَّهُ شَيْئًا وَتَمَنٍّ مِنْ الْحَاسِدِ أَنْ يُؤْتَى مِثْلَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لاَ أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ مِنْ الْمَحْسُودِ حَتَّى يَخْلُوَ مِنْهُ وَيَكُونَ لِلَّذِي حَسَدَهُ دُونَهُ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَى قَوْلِهِ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ حَتَّى يُؤْتِيَكُمْ مِثْلَهُ وَيَبْقَى مَنْ حَسَدْتُمُوهُ مَعَهُ مَا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ غَيْرَ مُسْتَنْقِصٍ مِنْهُ شَيْئًا فَكَانَ الْحَسَدُ الَّذِي فِيهِ تَمَنِّي نَقْلِ الشَّيْءِ الْمَحْسُودِ عَلَيْهِ عَمَّنْ آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ إلَى حَاسِدِهِ عَلَيْهِ مَذْمُومًا وَالْحَسَدُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ التَّمَنِّي وَإِنَّمَا فِيهِ حَسَدُ الْحَاسِدِ الْمَحْسُودَ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّهُ حَتَّى يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ مِثْلَهُ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ أَرْبَعَةٍ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَآتَاهُ مَالاً فَهُوَ يَعْمَلُ فِي مَالِهِ بِعِلْمِهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مِنْ الْمَالِ مِثْلُ مَا لِفُلاَنٍ لَفَعَلْت فِيهِ الَّذِي يَفْعَلُ أَيْ فِي مَالِهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ‏.‏

وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَدْ بَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لاَ تَضَادَّ فِي شَيْءٍ لِ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَسَدَيْنِ، مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِيهِ فَذَمَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَذُمَّ عَلَى الآخَرِ، مُتَبَايِنَانِ فِي أَحَدِهِمَا مَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهِ وَفِي الآخَرِ مَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ لاَ يَكُونُوا عَلَيْهِ‏.‏

وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّوَيْبِضَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي وَصْفِهِ السِّنِينَ الَّتِي أَمَامَ الدَّجَّالِ مَنْ هُوَ مِنْ النَّاسِ‏؟‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَوَادِعَ يَكْثُرُ فِيهَا الْمَطَرُ وَيَقِلُّ فِيهَا النَّبْتُ وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ مَنْ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ وَبِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ‏؟‏ قَالَ الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ فَلَمْ يَكُنْ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ مِنْ ذِكْرِ الرُّوَيْبِضَةِ مَا يُوجِبُ اخْتِلاَفًا فِيهِ مَنْ هُوَ مِنْ النَّاسِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏;‏ لأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهُ إيَّاهُ بِالْفِسْقِ الَّذِي يَمْنَعُ مِثْلُهُ مِنْ الْكَلاَمِ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ يَنْطَلِقُ لَهُ فِي الدَّهْرِ الْمَذْمُومِ الْكَلاَمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ كَمَا يَكُونُ فِيهِ تَصْدِيقُ الْكَاذِبِ وَتَكْذِيبُ الصَّادِقِ وَائْتِمَانُ الْخَائِنِ وَيَكُونُ وَصْفُهُ إيَّاهُ بِأَنَّهُ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لِعَلَنِهِ بِفِسْقِهِ وَلأَنَّهُ مِمَّنْ لاَ حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَيْهِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَامِلاً لاَ يُؤْبَهُ لَهُ فَاتَّفَقَ بِحَمْدِ اللهِ وَعَوْنِهِ الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ رَوَيْنَا فِي تَفْسِيرِ الرُّوَيْبِضَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَخْتَلِفَا‏.‏

وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَأْوِيلِ قوله تعالى ‏{‏ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ‏}

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَمِينَةَ أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ‏{‏ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ‏}‏ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ‏:‏ وَأَيُّ نَعِيمٍ وَإِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ‏؟‏‏,‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنَّهُ سَيَكُونُ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا فِيهِ قَوْلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ عَلَيْهِ‏:‏ أَيُّ نَعِيمٍ‏؟‏ أَيْ‏:‏ مَا هُمْ فِيهِ وَإِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ وَجَوَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏ إنَّهُ سَيَكُونُ ‏"‏ أَيْ سَيَكُونُ لَكُمْ عَيْشٌ سِوَى الأَسْوَدَيْنِ فَتُسْأَلُونَ عَنْهُ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُسْأَلُونَ عَنْهُ‏,‏ هُوَ الْفَضْلُ عَنِ الأَسْوَدَيْنِ مِمَّا يَتَجَاوَزُ مَا تَقُومُ أَنْفُسَهُمْ بِهِ‏,‏ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مَسْئُولِينَ عَمَّا لاَ تَقُومُ أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ بِهِ‏.‏

وَوَجَدْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَرْوِيًّا عَنْهُ عليه السلام فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ وَابْنُ أَبِي دَاوُد قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نَبَاتَةَ حَدَّثَنَا أَبُو نَصِيرَةَ عَنْ أَبِي عَسِيبٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلاً فَمَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ‏,‏ ثُمَّ مَرَّ بِعُمَرَ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ‏,‏ ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَنَحْنُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ حَوَائِطِ الأَنْصَارِ فَقَالَ أَطْعِمْنَا بُسْرًا فَأَتَاهُمْ بِعِذْقٍ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَأَتَاهُمْ بِمَاءٍ فَشَرِبُوا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا مِنْ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ فَقَالَ عُمَرُ إنَّا لَمَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ كِسْرَةٍ يَسُدُّ بِهَا الرَّجُلُ جُوعَهُ وَخِرْقَةٍ يُوَارِي بِهَا عَوْرَتَهُ وَحَجَرٍ يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ‏.‏

وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نَبَاتَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ فَأَخَذَ عُمَرُ الْعِذْقَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ حَتَّى تَنَاثَرَ الْبُسْرُ‏,‏ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنَّا لَمَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا‏؟‏ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تِبْيَانُ مَا ذَكَرْنَا‏;‏ لأَنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ الْبُسْرِ الَّذِي أَكَلُوهُ وَعَنْ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبُوهُ‏;‏ لأَنَّهُمَا فَضْلٌ عَنْ الْكِسْرَةِ الَّتِي يَسُدُّونَ بِهَا جُوعَهُمْ‏,‏ وَعَنْ الْخِرْقَةِ الَّتِي يُوَارُونَ بِهَا عَوْرَاتِهِمْ‏,‏ وَعَنْ الْحَجَرِ الَّذِي يَقِيهِمْ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ أَنْبَأَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَطْعَمْنَاهُ رُطَبًا وَسَقَيْنَاهُ مَاءً فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا مِنْ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمَّارٍ سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى بَيْتِنَا فَذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ شَكَّ فَقَالَ أَطْعَمْنَاهُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا‏.‏

وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الأَشْيَبُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ جَمِيعًا، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَاعَةٍ لاَ يَخْرُجُ فِيهَا وَلاَ يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَدٌ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَا أَخْرَجَك يَا أَبَا بَكْرٍ قَالَ خَرَجْت لِلِقَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّظَرِ فِي وَجْهِهِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ مَا أَخْرَجَك يَا عُمَرُ قَالَ الْجُوعُ قَالَ وَأَنَا وَجَدْت بَعْضَ الَّذِي تَجِدُ انْطَلِقْ بِنَا إلَى أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَقَالَ فِيهِ فَإِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو أُمَيَّةَ‏.‏

وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَجَلَسَ‏,‏ ثُمَّ إنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ فَجَلَسَ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ‏:‏ مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الْجُوعُ قَالَ‏:‏ يَا أَبَا بَكْرٍ‏,‏ وَأَنَا مَا أَخْرَجَنِي إِلاَّ الْجُوعُ‏,‏ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ انْطَلِقُوا بِنَا إلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ فَلَمْ يُوَافِقُوهُ وَأَذِنَتْ لَهُمْ امْرَأَتُهُ فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ فَصَرَمَ لَهُمْ مِنْ نَخْلَةٍ عِذْقًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَجَلَعُوا يَأْكُلُونَ مِنْ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ‏,‏ ثُمَّ شَرِبُوا مِنْ الْمَاءِ وَأَمَرَ أَنْ تُذْبَحَ لَهُمْ شَاةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ تَذْبَحْ ذَاتَ دَرٍّ‏,‏ فَذَبَحَ لَهُمْ ثُمَّ أُتُوا بِاللَّحْمِ فَأَكَلُوا مِنْ الرُّطَبِ وَاللَّحْمِ حَتَّى شَبِعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا وَإِنَّ هَذَا مِنْ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ عليه السلام قَالَ لأَبِي الْهَيْثَمِ‏:‏ إذَا أَتَانَا رَقِيقٌ فَأْتِنَا حَتَّى نَأْمُرَ لَك بِخَادِمٍ فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ‏,‏ ثُمَّ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَاهُ أَبُو الْهَيْثَمِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام‏:‏ اخْتَرْ مِنْهُمْ أَيَّهُمْ شِئْت‏,‏ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ‏,‏ خِرْ لِي قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا‏,‏ قَالَ‏:‏ خُذْ هَذَا وَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا فَإِنِّي رَأَيْته يُصَلِّي وَإِنِّي نُهِيت عَنْ الْمُصَلِّينَ فَانْطَلَقَ بِهِ أَبُو الْهَيْثَمِ فَلَمَّا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَوْصَانِي بِك خَيْرًا فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ‏:‏ مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ‏؟‏ قَالاَ‏:‏ الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ‏,‏ قَالَ‏:‏ وَأَنَا وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا فَقُومَا فَقَامَا مَعَهُ فَأَتَى رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ فَلَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ ثَمَّتَ وَإِذَا امْرَأَتُهُ فَلَمَّا نَظَرَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلاً قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ فُلاَنٌ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ وَعَلَيْهِ قِرْبَةٌ مِنْ مَاءٍ فَلَمَّا نَظَرَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى صَاحِبَيْهِ كَبَّرَ‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ مَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي الْيَوْمَ فَعَلَّقَ الْقِرْبَةَ بِكُرْنَافَةٍ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعِذْقٍ فِيهِ تَمْرٌ وَرُطَبٌ وَبُسْرٌ فَوَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ‏;‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لَوْلاَ اجْتَنَيْته قَالَ‏:‏ تَخَيَّرُوا عَلَى أَعْيُنِكُمْ يَا رَسُولَ اللهِ‏,‏ ثُمَّ أَخَذَ الْمُدْيَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إيَّاكَ وَالْحَلُوبَ فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً فَأَكَلُوا فَلَمَّا شَبِعُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ‏,‏ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَبْتُمْ هَذَا النَّعِيمَ فَقَدْ اتَّفَقَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ هَذِهِ الآثَارُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ وَائْتَلَفَتْ مَعَانِيهَا وَانْتَفَى عَنْهَا الاِخْتِلاَفُ وَالتَّضَادُّ‏.‏

وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ السَّاعَةِ

حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ عليه السلام عَنْ السَّاعَةِ فَقَالَ مَا أَعْدَدْت لَهَا قَالَ حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ الثَّعْلَبِيُّ السُّوسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ الأَعْرَابُ يَجِيئُونَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَتَى السَّاعَةُ‏؟‏ مَتَى السَّاعَةُ‏؟‏ فَنَظَرَ إلَى أَحَدِهِمْ فَقَالَ إنْ بَقِيَ هَذَا لَمْ يَقْتُلْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ سَاعَتُهُ وَفِي هَذَا الْبَابِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ اكْتَفَيْنَا مِنْهَا بِهَذَيْنِ‏.‏

لأَنَّ الآثَارَ الَّتِي رُوِيَتْ فِيهِ سِوَاهُمَا مَخْلُوطَةٌ بِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فَأَخَّرْنَاهَا لِنَجْعَلَ كُلَّ حَدِيثٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْجَوَابِ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنْهُ فِي هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ إذَا سُئِلَ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ مِمَّا ذَكَرْنَا فِيهِمَا قوله تعالى ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏إِلاَّ بَغْتَةً‏}‏ وَبِقَوْلِهِ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا‏}‏ أَيْ إنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ سَأَلُوهُ عَمَا قَدْ أَخْفَى اللَّهُ عَنْهُ حَقِيقَتَهُ فَكَانَ جَوَابُهُ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْجَوَابِ الَّذِي ذُكِرَ عَنْهُ فِي هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ مُنْتَهِيًا فِيهِ إلَى مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالاِنْتِهَاءِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ

حَدَّثَنَا يُونُسُ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ قَالاَ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا لِنَقِفَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ أَنَّهُمْ إذَا نَامُوا فِي لَيْلِهِمْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي بَقِيَّتِهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ مِنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ وَمِنْ الأَكْلِ وَمِنْ الشُّرْبِ إلَى خُرُوجِهِمْ مِنْ صَوْمِ غَدِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ‏,‏ وَكَذَلِكَ كَانَ أَهْلُ الإِسْلاَمِ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ حَتَّى نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِمَا نَسَخَهُ مِنْ كِتَابِهِ‏.‏

وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ أُحِيلَتْ الصَّلاَةُ ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ وَالصِّيَامُ ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ فَذَكَرَ أَحْوَالَ الصَّلاَةِ الثَّلاَثَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَصَامَهَا كَذَا سِتَّةَ عَشْرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إلَى قَوْلِهِ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏.‏

إلَى قَوْلِهِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَإِلَى قَوْلِهِ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ فَفَرَضَهُ اللَّهُ وَأَثْبَتَ صِيَامَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ ثَبَتَ الإِطْعَامُ لِلشَّيْخِ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ صِيَامَهُ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ قَدْ ظَلَّ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَجَاءَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ وَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَقَدْ أَجْهَدَ فَقَالَ إنِّي أَرَاك قَدْ أُجْهِدْت فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ ظَلِلْتُ يَوْمِي أَعْمَلُ فَجِئْت صَلاَةَ الْعِشَاءِ فَنِمْت قَبْلَ أَنْ أَطْعَمَ وَجَاءَ عُمَرُ وَقَدْ أَصَابَ مِنْ النِّسَاءِ فَنَزَلَتْ هَذَا الآيَةُ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ إلَى قَوْلِهِ مِنْ الْفَجْرِ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّلْقَانِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَ حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا جَاءَ إلَى أَهْلِهِ عِشَاءً‏,‏ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانُوا إذَا نَامَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا إلَى مِثْلِهَا وَالْمَرْأَةُ إذَا نَامَتْ لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا يَقْرَبُهَا حَتَّى جَاءَ مِثْلُهَا فَلَمَّا جَاءَ صِرْمَةُ إلَى أَهْلِهِ فَدَعَا بِعَشَائِهِ فَقَالُوا‏:‏ أَمْهِلْ حَتَّى نَتَّخِذَ لَك طَعَامًا سَخِينًا تُفْطِرُ عَلَيْهِ فَوَضَعَ الشَّيْخُ رَأْسَهُ فَنَامَ فَجَاءُوا بِطَعَامِهِ فَقَالَ كُنْتُ نَائِمًا فَلَمْ يَطْعَمْهُ فَبَاتَ لَيْلَته فَلَصِقَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام فَأَخْبَرَهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ‏}‏ فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ وَجَاءَ عُمَرُ فَأَتَى أَهْلَهُ فَقَالَتْ إنَّهَا نَامَتْ فَظَنَّ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّهَا اعْتَلَّتْ عَلَيْهِ فَوَاقَعَهَا فَأُخْبِرَ أَنَّهَا كَانَتْ نَامَتْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ فِيهِ ‏{‏عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى مَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ هُوَ أَنَّ صَوْمَنَا جَائِزٌ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ فِي لَيَالِيهِ‏,‏ وَإِنْ كُنَّا قَدْ نِمْنَا فِيهَا بِخِلاَفِ صَوْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ إذَا نَامُوا فِي لَيَالِي صَوْمِهِمْ لَمْ يَأْكُلُوا فِيهِ حَتَّى يَمْضِيَ غَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ قَدِمْت إلَى الشَّامِ فَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْنَا الْهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ‏,‏ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَشْيَاءَ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ قَالَ مَتَى رَأَيْت الْهِلاَلَ قُلْت رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ قُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ فَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ قَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ قَالَ‏:‏ لاَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَقُلْت أَوَ لاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ مَكَانَ وَصِيَامِهِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ وَإِخْبَارِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ فَسَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ أَيُضَادُّ هَذَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سِوَاهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنْبَأَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ يَعْنِي الْجُعْفِيَّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبْصَرْتُ الْهِلاَلَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ‏,‏ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَعْنِي الْحَمَّالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ لِيَصُومُوا غَدًا‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رُزْمَةَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى‏,‏ وَهُوَ السِّينَانِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ رَأَيْتُ الْهِلاَلَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ‏,‏ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَنَادَى النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ صُومُوا‏.‏

وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَهِدَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى الْهِلاَلَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ‏,‏ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَالَ نَعَمْ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ‏.‏

وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَكَانَ جَوَابُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ مُضَادٍّ لِلآخَرِ‏,‏ وَأَنَّ حَدِيثَ عِكْرِمَةَ هُوَ عَلَى اسْتِعْمَالِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ وَحَدِيثُ كُرَيْبٍ فِيهِ إخْبَارُهُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِرُؤْيَةِ هِلاَلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي وَقْتٍ قَدْ فَاتَ اسْتِعْمَالُ الصِّيَامِ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ وَلَيْسَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ اتَّصَلَ بِهِ فِي حَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي الصَّوْمِ يَسْتَعْمِلُهُ‏,‏ وَلَمَّا فَاتَهُ ذَلِكَ رَجَعَ إلَى انْتِظَارِ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ مِنْ الْهِلاَلِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَوَّلِهِ مَتَى كَانَ فَكَانَ جَائِزًا أَنْ يَمْضِيَ ثَلاَثُونَ يَوْمًا عَلَى مَا قَدْ كَانَ مِنْ الرُّؤْيَةِ الَّتِي حَكَاهَا لَهُ كُرَيْبٌ فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ بُطْلاَنَ مَا حَكَاهُ لَهُ كُرَيْبٌ فَيَصُومُ ثَلاَثِينَ يَوْمًا عَلَى رُؤْيَتِهِ هُوَ‏,‏ وَكَانَ جَائِزًا أَنْ يَرَاهُ بَعْدَ مُضِيِّ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا عَلَى مَا حَدَّثَ بِهِ كُرَيْبٌ فَيَقْضِي يَوْمًا لاِسْتِعْمَالِهِ مَا فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ‏.‏

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي صَحَّحْنَا عَلَيْهِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ عَلَى هِلاَلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلاَ يَقْبَلُونَ فِي هِلاَلِ الْفِطْرِ إِلاَّ مَا يَقْبَلُونَهُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي يَقْبَلُونَهَا فِيهَا وَيَقُولُونَ‏:‏ إنْ صَامَ النَّاسُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ فَمَضَتْ ثَلاَثُونَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا الْهِلاَلَ أَنَّهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا آخَرَ‏,‏ وَأَنَّ ذَلِكَ بِخِلاَفِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الإِمَامِ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ‏,‏ فَأَمَرَهُمْ بِالصَّوْمِ فَصَامُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا الْهِلاَلَ أَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِالإِفْطَارِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الصِّيَامِ وَيَجْعَلُونَ الصِّيَامَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ صِيَامَ احْتِيَاطٍ وَيَجْعَلُونَ الصِّيَامَ بِالْبَيِّنَةِ الْمَقْبُولَةِ الْمَحْكُومِ بِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَشْيَاءِ صِيَامًا بِحُجَّةٍ وَيَكُونُ حُكْمُ النَّاسِ كَأَنَّهُمْ رَأَوْهُ جَمِيعًا‏,‏ فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ لاَ تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ عليه السلام‏.‏

وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمِقْدَارِ مِنْ الْحَالِ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ‏,‏ قُلْت‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ‏,‏ وَمَا ظَهْرُ غِنًى‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِهِ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ مَا يُعَشِّيهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ عليه السلام فَسَمِعْته يَقُولُ لِرَجُلٍ يَسْأَلُهُ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَعِنْدَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا وَالآُوقِيَّةُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا‏.‏

وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالاَ‏:‏ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَسْأَلُ عَبْدٌ مَسْأَلَةً وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ إِلاَّ جَاءَتْ شَيْنًا أَوْ كُدُوحًا أَوْ خُدُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا غِنَاهُ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنْ الذَّهَبِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ وَلَمْ يَشُكَّ وَزَادَ فَقِيلَ لِسُفْيَانَ لَوْ كَانَ عَنْ غَيْرِ حَكِيمٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ‏.‏

وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ أَنَّهُ أَتَى أُمَّهُ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ لَوْ ذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتَهُ قَالَ فَجِئْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ‏,‏ وَهُوَ يَقُولُ مَنْ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ وَمَنْ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ عِدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ سَأَلَ إلْحَافًا فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الْمَقَادِيرَ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ بِوُجُودِهَا هَلْ يَتَهَيَّأُ لَنَا تَصْحِيحُهَا حَتَّى لاَ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهَا ضِدًّا لِمَا سِوَاهُ مِنْهَا فَوَجَدْنَاهُ مُحْتَمَلاً أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ الَّتِي حَرُمَتْ بِهَا الْمَسْأَلَةُ هُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ‏,‏ ثُمَّ تَلاَهُ تَحْرِيمُهَا بِوُجُودِ مَا فِي حَدِيثِ الأَسَدِيِّ‏,‏ ثُمَّ تَلاَهُ تَحْرِيمُهَا بِوُجُودِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ ثُمَّ تَلاَهُ تَحْرِيمُهَا بِوُجُودِ مَا فِي حَدِيثِ الْمُزَنِيّ فَكَانَ الْمِقْدَارُ الَّذِي فِي حَدِيثِ الْمُزَنِيّ هُوَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَتَنَاهَى تَحْرِيمُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَصَارَ أَوْلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا بِالاِسْتِعْمَالِ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَكَيْفَ اسْتَعْمَلْت فِي هَذَا أَغْلَظَ الْمَقَادِيرِ بَدْءًا ثُمَّ اسْتَعْمَلْت بَعْدَهُ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ حِينَ اسْتَعْمَلْتهَا كُلَّهَا كَذَلِكَ وَلَمْ تَسْتَعْمِلْ الأَخَفَّ مِنْهَا أَوَّلاً ثُمَّ بَعْدَهُ مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَيْهَا كُلَّهَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ أَنَّ نَسْخَ الأَشْيَاءِ تَكُونُ بِمَعْنًى مِنْ مَعْنَيَيْنِ فَمَعْنًى مِنْهَا لِلْعُقُوبَةِ وَهُوَ نَسْخُ التَّخْفِيفِ بِالتَّغْلِيظِ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا الآيَةَ وَمَعْنًى مِنْهَا بِخِلاَفِ الْعُقُوبَةِ‏,‏ وَهُوَ نَسْخُ التَّغْلِيظِ بِالتَّخْفِيفِ‏,‏ وَذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنْ اللهِ تَعَالَى وَتَخْفِيفٌ عَنْ عِبَادِهِ وَمِنْهُ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ فَكَانَ فَرْضُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنْ لاَ يَفِرُّوا مِنْ عَشَرَةِ أَمْثَالِهِمْ وَكَانَ مَعْقُولاً فِي ذَلِكَ أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً مِنْهُ لَهُمْ وَتَخْفِيفًا لِضَعْفِهِمْ فَقَالَ ‏{‏الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

فَرَدَّ اللَّهُ فَرْضَهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرُّوا مِنْ مِثْلَيْهِمْ وَكَانَ مَعْقُولاً فِي ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ مِنْ الْعَدَدِ وَمِنْهُ قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏تَرْتِيلاً‏}‏ فَكَانَ ذَلِكَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ‏,‏ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُ وَلَهُمْ بِقَوْلِهِ ‏{‏إنَّ رَبَّك يَعْلَمُ أَنَّك تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ‏}‏ فَكَانَ النَّسْخُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَفِي أَمْثَالِهِ فِيمَا لاَ سَخَطَ فِيهِ وَلاَ غَضَبَ مِنْهُ مِنْ التَّغْلِيظِ إلَى التَّخْفِيفِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ كَانَتْ الْمَقَادِيرُ الَّتِي ذَكَرْنَا تُوجِبُ كُلُّ مِقْدَارٍ مِنْهَا تَحْرِيمَ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِمْ كَانَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فَيُرَدُّونَ مِنْ التَّخْفِيفِ إلَى التَّغْلِيظِ فَوَجَبَ بِذَلِكَ فِي النَّسْخِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ مَا رَدُّوا مِنْ بَعْضِهِ إلَى مَا سِوَاهُ مِنْهُ هُوَ رَدٌّ لَهُمْ مِنْ غَلِيظَةٍ إلَى خَفِيفَةٍ‏,‏ فَوَجَبَ بِذَلِكَ اسْتِعْمَالُ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ‏,‏ هُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي فِي حَدِيثِ الْمُزَنِيّ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ‏,‏ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلاَلِيِّ إنَّ الْمَسْأَلَةَ حَرُمَتْ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَهُنَّ‏,‏ ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ سُحْتٌ

حَدَّثَنَا يُونُسُ أَنْبَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ أَنَّهُ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ نُخْرِجُهَا عَنْكَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ أَوْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ يَا قَبِيصَةُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ حَرُمَتْ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ‏,‏ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ‏,‏ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ حَتَّى تَكَلَّمَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ‏,‏ ثُمَّ يُمْسِكَ حَدَّثَنَا بَكَّارَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هَارُونَ عَنْ كِنَانَةَ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مِثْلَهُ وَزَادَ رَجُلٍ حَمَلَ حَمَالَةً عَنْ قَوْمِهِ أَرَادَ بِهَا الإِصْلاَحَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ عَنْ كِنَانَةَ يَعْنِي الْعَدَوِيَّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلاَلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ الَّتِي زَادَهَا بَكَّارَ فِي حَدِيثِهِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا بَشَّارُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ قَالَ الأَوْزَاعِيِّ وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ رِئَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ قَبِيصَةَ جَالِسًا ثُمَّ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا الأَشْيَاءَ الثَّلاَثَةَ الَّتِي أَبَاحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا الْمَسْأَلَةَ الْمَحْظُورَةَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهَا الْحَمَالَةُ الَّتِي يُرِيدُ بِهَا الْمُتَحَمِّلُ الإِصْلاَحَ فَيَسْأَلُ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِ الْحَمَالَةِ مَنْ تَحَمَّلَ بِهَا وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِ دَيْنًا وَوُجُوبِ أَخْذِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْمُتَحَمِّلُ بِهَا عَنْهُ مَقْدُورًا عَلَى مُطَالَبَتِهِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ قَالَهُ فِيمَا حَكَاه عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ‏,‏ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى أَنْ قَالَ لاَ يَجِبُ لِلْمُتَحَمَّلِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْحَمِيلَ بِمَا حَمَلَ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ عَلَى مُطَالَبَةِ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ وَمِنْهَا الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عِنْدَهَا ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِ السَّائِلِ أَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَيَسْأَلُ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَسُدَّ حَاجَتَهُ فَقَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ قَصَدَ فِي هَذَا إلَى الثَّلاَثَةِ مِنْ قَوْمِهِ دُونَ الاِثْنَيْنِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الاِثْنَيْنِ حُجَّةً فِي الشَّهَادَةِ وَفِي الْحُكْمِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِي الْحُكْمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الشِّقَاقِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ، بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ، أَنَّ الْخَلْقَ عَبِيدُ اللهِ يَتَعَبَّدُهُمْ بِمَا شَاءَ فَتَعَبَّدَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ الاِثْنَيْنِ حُجَّةً فِيمَا جَعَلَهُمَا فِيهِ كَذَلِكَ‏,‏ ثُمَّ جَعَلَ الْحُجَّةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ وَهُوَ الزِّنَى بِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِمَا‏,‏ وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَبَاحَ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَهَا تَعَبَّدَهُمْ فِيهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثَةٍ وَخَالَفَ بَيْنَ ذَلِكَ‏,‏ وَبَيْنَ مَا سِوَاهُ مِمَّا جَعَلَ الاِثْنَيْنِ فِيهِ حُجَّةً وَكَانَتْ الْحَاجَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا دُونَ الْحَاجَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ مِمَّا تَخْتَلِفُ أَحْوَالُ النَّاسِ عِنْدَهَا وَيَكُونُ الَّذِي نَزَلَتْ بِهِ بِخِلاَفِ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهُ مَعَهَا شَيْءٌ فَكَانَ يَحْتَاجُ إلَى سَدِّ حَاجَتِهِ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ إنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ حَلَّتْ لَهُ حَتَّى رَدَّ إلَى أَقْوَالِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَتْ حَاجَاتُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلاَفِ مُؤَنِهِمْ فِي قَلِيلِهَا‏,‏ وَفِي كَثِيرِهَا فَكَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا إلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ فِي نَفْسِهَا وَكَانَ السُّؤَالُ طَلْقًا مِنْ أَجْلِهَا لأَهْلِهَا حَتَّى يَسُدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَاءَ أَنْ يَسُدَّهَا بِهِ مِنْ مَقَادِيرِ الأَشْيَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةً لِلْمَقَادِيرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ وَكَانَ مَا فِي ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ الَّتِي لاَ حَاجَةَ بَعْدَهَا وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلْحَاجَةِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ وَبَقِيَ مَعَهَا لِلَّذِي قَدْ يَلْتَمِسُ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَجْلِهَا شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ لاَ يَسْتَطِيعُ بِهِ سَدَادَ حَاجَتِهِ فَأُبِيحَتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَسُدَّهَا وَاخْتَلَفَ مَقَادِيرُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فِي حَاجَاتِهِمْ فَلَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ الْبَاقِي الَّذِي أُبِيحَتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ مَعَهُ لِذَلِكَ‏.‏

وَاَللَّهَ تَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ

حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ وَعَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ جَمِيعًا قَالاَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ أَنْبَأَ حَمَّادٌ‏,‏ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أُرِيدَ بِهِ مَا فِيهِ‏,‏ وَهَلْ هُوَ عَلَى نُقْصَانِ الْعَدَدِ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ هَلْ هُوَ عَلَى وُجُودِ النُّقْصَانِ مِنْ الْعَدَدِ فِي أَحَدِهِمَا وَعَلَى انْتِفَائِهِ مِنْ الآخَرِ حَتَّى لاَ يَكُونَا جَمِيعًا نَاقِصَيْنِ‏؟‏ أَوْ خِلاَفُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَوَجَدْنَا مَا قَدْ عَهِدْنَاهُ فِي الأَزْمِنَةِ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ الْعَدَدَيْنِ يَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِمَا جَمِيعًا لاَ تَنَازُعَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ حَقَّقَهُ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَمَرَ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ وَابْنُ مَرْزُوقٍ قَالاَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إنِّي لاََعْجَبُ مِنْ الَّذِينَ يَصُومُونَ قَبْلَ رَمَضَانَ إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ وَكَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ عليه السلام‏:‏ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَصُمْ ثَلاَثِينَ إِلاَّ أَنْ تَرَى الْهِلاَلَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَقِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ قَدْ يَكُونُ ثَلاَثِينَ وَقَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَاحْتَجْنَا إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ مَا هُوَ‏؟‏ فَوَجَدْنَا هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ وَهُمَا رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ يُبْنَيَانِ عَلَى سِوَاهُمَا مِنْ الشُّهُورِ‏;‏ لأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا الصِّيَامَ وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ‏.‏

وَفِي أَحَدِهِمَا الْحَجَّ وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ فَكَانَ مَوْهُومًا أَنْ يَقَعَ فِي قُلُوبِ قَوْمٍ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نَقَصَ بِذَلِكَ الصَّوْمُ الَّذِي فِي أَحَدِهِمَا وَالْحَجُّ الَّذِي يَكُونُ فِي الآخَرِ عَمَّا يَكُونَانِ عَلَيْهِ إذَا كَانَا ثَلاَثِينَ ثَلاَثِينَ فَأَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا لاَ يَنْقُصَانِ‏,‏ وَإِنْ كَانَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ عَمَّا يَكُونُ فِيهِمَا مِنْ هَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ‏,‏ وَأَنَّ هَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ كَامِلَتَانِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا فِي الْعَدَدِ كَذَلِكَ كَكَمَالِهِمَا فِيهِمَا إذَا كَانَا ثَلاَثِينَ ثَلاَثِينَ‏.‏

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلاَفِ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ شَهْرٍ حَرَامٍ ثَلاَثُونَ يَوْمًا وَثَلاَثُونَ لَيْلَةً فَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ لاَ يُقَاوِمُ خَالِدًا الْحَذَّاءَ فِي إمَامَتِهِ فِي الرِّوَايَةِ وَلاَ فِي ضَبْطِهِ فِيهَا وَلاَ فِي إتْقَانِهِ لَهَا وَأَيْضًا كَانَ الْعِيَانُ قَدْ دَفَعَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏